الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ابن تيمية **
فأجاب: وكذلك إذا تعاملا بأن يكون من رجل أرض ومن آخر حب أو بقر أو من رجل ماء ومن رجل حب وعنب ففيه قولان هما روايتان عن أحمد. والأظهر جواز ذلك. وكذلك إذا استأجره ليطحن له طحينا بثلثه أو ربعه. أو يخبز له رغيفا بثلثه أو ربعه. أو يخيط له ثيابا بثلثها أو ربعها. أو يسقي له زرعا بثلثه أو ربعه. أو يقطف له ثمرا بثلثه أو ربعه فهذا ومثله جائز في ظاهر مذهب أحمد وغيره. وكذلك إذا أعطاه ماءه ليسقي به قطنه أو زرعه ويكون له ربعه أو ثلثه. فإن هذا جائز أيضا. سواء كان الماء من هذا. وهذا من جنس المشاركة؛ لا من جنس الإجارة وهو بمنزلة المساقاة؛ والمزارعة. والصحيح الذي عليه فقهاء الحديث: أن المزارعة جائزة سواء كان البذر من المالك أو من العامل أو منهما. وسواء كانت أرضا بيضاء أو ذات شجر وكذلك المساقاة على جميع الأشجار. ومن منع ذلك ظن أنه إجارة بعوض مجهول وليس كذلك بل هو مشاركة كالمضاربة والمضاربة على وفق القياس لا على خلافه فإنها ليست من جنس الإجارة بل من جنس المشاركات كما بسط الكلام على هذا في موضعه.
فأجاب: إن كان هذا من الأرض ومن الحب المشترك ففيه قولان: [أحدهما]: أنه لصاحب الأرض فقط. و [الثاني]: يقسم بينهم على قدر منفعة الأرض والحب. وهذا أصح القولين.
فأجاب: الحمد لله رب العالمين. إذا لم يقوموا بما شرط عليهم كان لرب الأرض الفسخ وإذا فسخ العامل أو كانت فاسدة فلرب الأرض أن يتملك نصيب الغارس بقيمته إذا لم يتفقا على قلعه. والله أعلم.
فأجاب: الحمد لله. إذا كان الغراس قد غرس بإذن المالك بإعارة أو بإجارة وانقضت مدته أو كانت مطلقة فعلى صاحب الغراس أجرة المثل تقوم الأرض بيضاء لا غراس فيها ثم تقوم وفيها ذلك الغراس فما بلغ فهو أجرة المثل والله أعلم.
فأجاب: هذا الإقطاع ليس إقطاعا بمجرد خراج الأرض كما ظنه السائل بل هو إقطاع استغلال؛ فإن الإقطاع نوعان: إقطاع تمليك: كما يقطع الموات لمن يحييه بتملكه. وإقطاع استغلال: وهو إقطاع منفعة الأرض لمن يستغلها إن شاء أن يزرعها وإن شاء أن يؤجرها. وإن شاء أن يزارع عليها. وهذا الإقطاع هو من هذا الباب؛ فإن المقطعين لم يقطعوا مجرد خراج واجب على شيء من الأرض بيده كالخراج الشرعي الذي ضربه أمير المؤمنين عمر على بلاد العنوة وكالأحكار التي تكون في ذمة من استأجر عقارا لبيت المال فمن أقطع ذلك فقد أقطع خراجا. وأما هؤلاء فأقطعوا المنفعة. وإذا عرف هذا. فإذا انفسخ الإقطاع في أثناء الأمر؛ إما لموت المقطع وإما لغيره وأقطع لغيره: كانت المنفعة الحادثة للمقطع الثاني دون الأول؛ بحيث لو كان المقطع الأول قد أجر الأرض المقطعة ثم انفسخ إقطاعه انفسخت تلك الإجارة كما تنفسخ إجارة البطن الأول إذا انتقل الوقف إلى البطن الثاني في أصح الوجهين. وإذا كان كذلك فإن كان الإقطاع انتقل في نصف المدة. كان للثاني نصف المنفعة وإن كان في ريعها الماضي كان له ريع المنفعة فإن كان أهل الديوان أعطوا الثاني ثلاثة أرباع المنفعة المستحقة بالإقطاع والأول الربع؛ لكون الثاني قام بثلاثة الأرباع بمائة استحق الإقطاع. مثل أن يخدم ثلاثة أرباع المدة المستوفية للمنفعة فقد عدلوا في ذلك. ثم إن المقطع الأول لما ازدرعه بعمله وبذره وبقره وصار بعض المنفعة مستحقا لغيره صار مزدرعا في أرض الغير؛ لكن ليس هو غاصبا يجوز إتلاف زرعه؛ بل زرعه زرع محترم كالمستأجر. وأولى. فهنا للفقهاء ثلاثة أقوال: أحدها: أن يكون الزرع للمزدرع وعليه أجرة المثل لمنفعة الثاني. والثاني: أن يكون الزرع لرب الأرض وعليه ما أنفقه الأول على زرعه. وهذان القولان معروفان. فمن زرع في أرض غيره بغير إذنه: هل الزرع للمزدرع؟ أو لرب الأرض يأخذه ويعطيه نفقته؟ كما في السنن عن رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء وعليه نفقته) على القولين. والمسألة معروفة. وهذا الثاني مذهب أحمد وغيره. والأول مذهب الشافعي وغيره. والمزدرع في صورة السؤال ليس غاصبا؛ لكن بمنزلة أنه مما يعد زرع في أرض الغير بغير إذنه فهو كما لو اتجر في مال يظنه لنفسه فبان أنه لغيره. وفي هذه المسألة [قول ثالث] هو الذي حكم به أهل الديوان. وهو الذي قضى به عمر بن الخطاب في نظير ذلك وهو أصح الأقوال؛ فإنه كان قد اجتمع عند أبي موسى الأشعري مال للمسلمين يريد أن يرسله إلى عمر فمر به ابنا عمر. فقال: إني لا أستطيع أن أعطيكما شيئا؛ ولكن عندي مال أريد حمله إليه فخذاه اتجرا به وأعطوه مثل المال فتكونان قد انتفعتما والمال حصل عنده مع ضمانكما له. فاشتريا به بضاعة فلما قدما إلى عمر قال: أكل العشر أقرهم مثل ما أقركما فقالا: لا فقال ضعا الربح كله في بيت المال فسكت عبد الله. وقال له عبيد الله: أرأيت لو ذهب هذا المال أما كان علينا ضمانه؟ فقال بلى قال: فكيف يكون الربح للمسلمين والضمان علينا فوقف عمر. فقال له الصحابة: اجعله مضاربة بينهما وبين المسلمين لهما نصف الربح وللمسلمين النصف فعمل عمر بذلك. وهذا أحسن الأقوال التي تنازعها الفقهاء في مسألة التجارة بالوديعة وغيرها من مال الغير فإن فيها أربعة أقوال في مذهب أحمد وغيره هل الربح لبيت المال بناء على أنه المال؟ أو الربح للعامل؛ لأن الملك حصل له باشتراء الأعيان في الذمة ويتصدقان بالربح؛ لأنه خبيث أو يقتسما بينهما. كالمضاربة. وهذا الرابع الذي فعله عمر وعليه اعتمد من اعتمد من الفقهاء في جواز المضاربة. ومسألة المزارعة كذلك أيضا فإن هذا ازدراع في الأرض يظنها لنفسه فتبين أنها أو بعضها لغيره فجعل الزرع بينهما مزارعة. والمزارعة المطلقة تكون مشاطرة لهذا نصف الزرع ولهذا نصفه؛ فلهذا جعل للأول نصف الزرع كالعامل في المزارعة ويجعل النصف الثاني للمنفعة المقطعة. والأول قد استحق ربعها فيجعل له النصف وربع النصف؛ بناء على ما ذكر. والثاني ثلاثة أرباع النصف. وهذا أعدل الأقوال في مثل هذه المسألة؛ بل حقيقة الأمر أن المقطع الثاني مخير: إن شاء أن يطالب من ازدرع في أرضه بأجرة المثل وإن شاء أن يجعلها مزارعة كما يخير ابتداء. وأما إذا قيل: بأن له أخذ الزرع وعليه نفقة الأول فهذا أبلغ. وقد تضمن هذا الجواب أن المزارعة يجوز أن يكون البذر فيها من العامل وهذا هو الصواب المقطوع به وإن سماه بعض الفقهاء مخابرة فإنه قد ثبت في الصحيح: [(أن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج من الأرض من ثمر وزرع على أن يعمروها من أموالهم) وكذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جوزوا ذلك كما كانوا يزارعون كآل أبي بكر وآل عمر وآل علي بن أبي طالب وغيرهم. والذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من المخابرة إنما كانوا يعملونه وهو أن يشترطوا لرب الأرض زرع بقعة بعينها فهذا هو المنهي عنه كما جاء مفسرا في الحديث الصحيح. وأما القوة التي تجعل في الأرض فإنها ليست قرضا محضا كما يظنه بعض الناس. فإن القرض المطلق هو بما يملكه المقترض فيتصرف فيه كما شاء. وهذه القوة مشروطة على من يقبضها أن يبذرها في الأرض ليس له التصرف فيها بغير ذلك فقد جعلت قوة في الأرض ينتفع [بها] كل من يستعمل الأرض من مقطع وعامل إذ مصلحة الأرض لا تقوم إلا بها كما لو كان في الأرض صهريج ماء ينتفع به ولهذا يقال: من دخل على قوة خرج على نظيرها. وإذا كان الصهريج ملآن ماء عند دخولك فاملأه عند خروجك. وحقيقة الأمر أن للسلطان أن يشترط على المقاطعة أن يتركوا في الأرض قوة وهذا من المصلحة وإذا كان الأول قد ترك فيها قوة والثاني محتاج إليها فرأى من ولي من ولاة الأمر أن يجعل عطاءها للأول بقسطه بحسب المصلحة كان ذلك جائزا. وإذا جرت العادة بأن من دخل على قوة خرج على نظيرها ومن أعطى قوة من عنده استوفاها مؤجلة: كان إقطاع ولي الأمر بهذا الشرط وذلك جائز؛ فإن الزرع إنما ملكه بالإقطاع وأورث الأول ما استحقه قبل الموت. وأما نصف العشر المذكور فلم يذكر وجهه حتى يفتى به. وإقطاع ولي الأمر هو بمنزلة قسمته بيت مال المسلمين ليست قسمة الإمام للأموال السلطانية كالفيء بمنزلة قسمة المال بين الشركاء المعينين؛ فإن المال المشترك بين الشركاء المعينين كالميراث يقسم بينهم على صنف منه إن كان قبل القسمة وإلا بيع وقسم ثمنه عند أكثر الفقهاء. كمالك وأحمد وأبي حنيفة. وتعدل السهام بالأجزاء إن كانت الأموال متماثلة: كالمكيل والموزون. وتعدل بالتقويم إن كانت مختلفة كأجزاء الأرض. وإن كانت من المعدودات كالإبل والبقر والغنم قسمت أيضا على الصحيح وعدلت بالقسمة. وأما الدور المختلفة ففيها نزاع وليس لأحد الشريكين أن يختص بصنف وأما أموال الفيء فللإمام أن يخص طائفة بصنف وطائفة بصنف. بل وكذلك في المغانم على الصحيح ولو أعطى الإمام طائفة إبلا وطائفة غنما جاز. وهل يجوز للإمام تفضيل بعض الغانمين لزيادة منفعة؟ على قولين للعلماء: أصحهما الجواز. كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه نفل في بدايته الربع بعد الخمس وفي رجعته الثلث بعد الخمس)] وثبت عنه أنه نفل سلمة بن الأكوع وغيره. وأما مال الفيء فيستحق بحسب منفعة الإنسان للمسلمين وبحسب الحاجة أيضا والمقاتلة أحق به وهل هو مختص بهم؟ على قولين. وإذا قسم بين المقاتلة فيجب أن يقسم بالعدل كما يجب العدل على كل حاكم وكل قاسم؛ لكن إذا قدر أن القاسم أو الحاكم ليس عدلا لم تبطل جميع أحكامه وقسمه على الصحيح الذي كان عليه السلف فإن هذا من الفساد الذي تفسد به أمور الناس؛ فإنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث الصحيحة التي يأمر فيها بطاعة ولاة الأمور مع جورهم ما يبين أنهم إذا أمروا بالمعروف وجبت طاعتهم وإن كانوا ظالمين. فإذا حكم حكما عادلا وقسم قسما عادلا: كان هذا من العدل الذي تجب طاعتهم فيه. فالظالم لو قسم ميراثا بين مستحقيه بكتاب الله كان هذا عدلا بإجماع المسلمين. ولو قسم مغنما بين غانميه بالحق كان هذا عدلا بإجماع المسلمين. ولو حكم لمدع ببينة عادلة لا تعارض كان هذا عدلا. والحكم أمر ونهي وإباحة فيجب طاعته فيه. هذا إذا كانت القسمة عادلة. فأما إذا كان في القسمة ظلم؛ مثل أن يعطي بعض الناس فوق ما يستحق وبعضهم دون ما يستحق: فهذا هو الاستيثار الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم. حيث قال:(على المسلم السمع والطاعة في عسره ويسره ومنشطه ومكرهه وأثرة عليه ما لم يؤمر بمعصية) وفي الصحيحين عن (عبادة بن الصامت قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا ومنشطنا ومكرهنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله وأن نقول - أو نقوم - بالحق. حيث ما كنا لا نخاف في الله لومة لائم). ومعلوم أن هذا ما زال في الإسلام من ولاة الأمور ومن دخل في هذه الأمور وإنما يستثنى في الخلفاء الراشدين ومن اتبعهم. فإذا كان ذلك كذلك. فالمعطى إذا أعطي قدر حقه أو دون حقه: كان له ذلك بحكم قسمة هذا القاسم كما لو قسم الميراث وأعطى بعض الورثة حقه كان ذلك بحكم هذا القاسم وكما لو حكم لمستحق بما استحقه كان له أن يأخذ ذلك بموجب هذا الحكم. وليس لقائل أن يقول: أخذه بمجرد الاستيلاء كما لو لم يكن حاكم ولا قاسم فإنه على نفوذ هذه المقالة تبطل الأحكام والأعطية التي فعلها ولاة الأمور جميعهم؛ غير الخلفاء. وحينئذ فتسقط طاعة ولاة الأمور؛ إذ لا فرق بين حكم وقسم وبين عدمه. وفي هذا القول من الفساد في العقل والدين ما لا يخفى على ذي لب؛ فإنه لو فتح هذا الباب أفضى من الفساد إلى ما هو أعظم من ظلم الظالم ثم كان كل واحد يظن أن ما يأخذه قدر حقه وكل واحد إنما يشهد استحقاق نفسه دون استحقاق بقية الناس وهو لا يعلم مقدار الأموال المشتركة. وهل يجعل له منها بالقيمة هذا أو أقل؟ والإنسان ليس له أن يكون حاكما لنفسه ولا شاهدا لنفسه فكيف يكون قاسما لنفسه؟. ومعلوم عند كل أحد أن دخول الشركاء تحت قاسم غيرهم ودخول الخصماء تحت حاكم غيرهم ولو كان ظالما أو جاهلا [أولى] من أن يكون كل خصم حاكما لنفسه وكل شريك قاسما لنفسه فإن الفساد في هذا أعظم من الفساد في الأول. والشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها ورجحت خير الخيرين بتفويت أدناهما وهذا من فوائد نصب ولاة الأمور. ولو كان على ما يظنه الجاهل لكان وجود السلطان كعدمه وهذا لا يقوله عاقل فضلا عن أن يقوله مسلم؛ بل قد قال العقلاء: ستون سنة من سلطان ظالم خير من ليلة واحدة بلا سلطان. وما أحسن قول عبد الله بن المبارك: لولا الأئمة لم يأمن لنا سبل ** وكان أضعفنا نهبا لأقوانا. وأصل هذه المسألة مبسوط بسطا تاما في غير هذا الموضع وإنما نبهنا على قدر ما يعرف به مقصود الجواب. والله أعلم.
فأجاب: إن لم تنقص حصة الشركاء لا في الأرض ولا في الزرع فعليهم إجابة طالب القسمة التي ليس فيها ضرر عليهم وإن كان في ذلك ضرر بنقص قسمة أنصبائهم لم يرفع الضرر بالضرر؛ بل إن أمكن انقسام عوض المقسوم من غير ضرر فعل.
فأجاب: الحمد لله. تجوز المزارعة بجزء شائع سواء كان أقل من النصف أو أكثر من النصف. ولا فرق عند الأئمة الأربعة ونحوهم: أن يزارع بالنصف أو الثلث أو الثلثين ونحو ذلك من الأجزاء الشائعة كثلاثة أخماس وخمسين. وقد ثبت جواز المزارعة بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة باتفاق الصحابة وهي أعدل من التسجيل وإذا شرط عليه نصف الزرع فأخذوا زائدا على ذلك فله أن يأخذ منهم بقدر الزائد.
فأجاب: متى اعتاض عن الحرام عوضا بقدره فحكم البدل حكم المبدل منه فإن كان قد نمى بفعله نماء من ربح أو كسب أو غير ذلك ففيه خلاف بين العلماء. وأعدل الأقوال أن يقسم النماء بين منفعة المال وبين منفعة العامل؛ بمنزلة المضاربة. كما فعل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في المال الذي اتجر منه أولاده من بيت المال وهكذا كل نماء بين أصلين. إذا بيع الأصل. وأجاب أيضا: أعدل الأقوال في هذه المسألة وشبهها أن يقسط الزرع الحادث من منفعة الأرض والبذر والعامل والبقر على هذه الأصول فيكون قسط الحرام لمن يجب صرفه إليه وقسط الحلال لمن يستحقه كسائر الحادث عن الأصول المشتركة.
فأجاب: الحمد لله. دفع الأرض الملك والإقطاع أو غيرها إلى من يعمل فيها بشطر الزرع فيه قولان للعلماء؛ لكن الصواب المقطوع به أن ذلك جائز؛ فإن ذلك إجماع من الصحابة: آل أبي بكر وآل عمر وآل علي وعبد الله بن مسعود وسعد بن أبي وقاص وغيرهم وهو عمل المسلمين من عهد نبيهم. والرسول صلى الله عليه وسلم لم ينه عن ذلك؛ وإنما نهى عما إذا اشترط لرب المال زرع بقعة بعينها؛ بل قد عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر وزرع. وقد ثبت عنه في الصحيح أنه شرط عليهم أن يعمروها من أموالهم. ولهذا كان الصواب أنها تجوز وإن كان البذر من العامل؛ بل هذه المعاملة أحل من دفع الأرض بالمؤاجرة؛ فإن كلاهما مختلف فيه والإجارة أقرب إلى الغرر؛ لأن المؤجر يأخذ الأجرة والمستأجر لا يدري: هل يحصل له مقصوده أم لا؟ بخلاف المشاطرة؛ فإنهما يشتركان في المغنم والمغرم إن أنبت الله زرعا كان لهما وإن لم ينبت كان عليهما ومنفعة أرض هذا كمنفعة بذر هذا كما في المضاربة. ولا يجوز في المشاطرة أن يشترط على العامل شيء معين لا دجاج ولا غيره. وأما الشهادة على ذلك فإنها جائزة ولو كان الشاهد ممن لا يجيزها؛ لأنه عنده مختلف فيه والشاهد يشهد بما جرى؛ لا سيما والمحققون من أصحاب أبي حنيفة والشافعي على تجويزها كما هو مذهب فقهاء أهل الحديث.
فأجاب: إذا كانت حنطة بعضهم خيرا من حنطة بعض فليس له أن يخلط ذلك وإن كانت الحنطة سواء وقد احتاج إلى الخلط فلا بأس.
فأجاب: ما يستحقه الجندي من خراج أو مقاسمة أو غير ذلك فإنه ينتقل إلى ورثته وسواء كان الشرط بمكتوب أو غير مكتوب. ومتى شهد شاهد عدل أو مزكى وحلف المدعي مع الشاهد حكم له بذلك.
فأجاب: ليس لأحد أن يكرهه على فلاحة لم تجب عليه فإن ذلك ظلم والله تعالى يقول فيما رواه عنه رسوله: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ). بل مثل هذا لا يجوز إكراهه لا في الشريعة المطهرة ولا في العادة السلطانية. وسئل عمن يزرع في أرض مشتركة بغير إذن الشركاء ولا أعلمهم؟ فأجاب: إذا كانت العادة جارية: بأن من يزرع فيها يكون له نصيب معلوم ولرب الأرض نصيب فإنه يجعل ما زرعه في مقدار أنصباء شركائه مقاسمة بينهم على الوجه المعتاد. والله أعلم.
فأجاب: إذا امتنع بعض الشركاء عن الإنفاق الذي يحتاج إليه الزرع جاز لبعضهم أن يزرع في مقدار نصيبه ويختص بما زرعه في قدر نصيبه والله أعلم.
فأجاب: إذا طلب أحد الشريكين من الآخر أن يزرع معه أو يهايئه وامتنع الآخر من ذلك فللأول أن يزرع في مقدار حقه ولا أجرة عليه في ذلك للشريك؛ لأنه تارك لما وجب عليه والأول مستوف لما هو حقه. وهو نظير أن يكون بينهما دار فيها بنيان فيسكن فيها أحدهما عند امتناع الأول مما وجب عليه.
فأجاب: إذا دفعت إليه المال مضاربة وأعطاها شيئا وقال: هذا من الربح كان لها المطالبة بعد هذا برأس المال. ولم يقبل قوله: إن تلك الزيادة كانت من رأس المال. والله أعلم.
فأجاب: ليس لأرباب الجهة الأخرى مشاركة أرباب البذر كما يشاركونهم لو بذروا؛ لكن إذا لم يمكن الفلاحين البذر وحده لشيوع الأرض وامتناع الشركاء من المقاسمة والمعاونة. فالزرع كله لرب البذر إذا زرع في قدر ملكه المشاع وإن جعل ما زرع في نصيب التارك مزارعة من أرباب البذر بالمبذور من الآخر من الأرض والعمل للعامل ويقسم الزرع بينهم كما لو اشتركا في هذا على ما جرى به العرف في مثل ذلك؛ إذ العامل ليس بغاصب؛ بل مأذون له عرفا في الازدراع.
فأجاب: إذا كان الشريك قد فرط في مال شريكه مثل أن يبذره في غير الوقت الذي يبذر مثله أو في أرض ليست على الوصف الذي اتفقا عليه ونحو ذلك. كان من ضمان شريكه وأقل ما عليه مثل رأس المال. والله أعلم
فأجاب: أن هذه معاملة صحيحة ويستحق العامل ما شرط له إذا كان المقصود حصول الزرع بعمله سواء كان العمل قليلا أو كثيرا. والله أعلم.
فأجاب: له قيمتها بعد الفسخ حتى يحكم بلزومها أو عدمه؛ وليس كعامل المساقاة؛ لعدم الجامع بينهما. والفرق أن المعقود عليه في المساقاة الثمرة وهي معدومة؛ لا العمل فإذا أعرض عن المعقود قبل وجوده لم يستحق منه شيئا وبهذا صرح الأصحاب: بأنه بعد وجود الثمرة على استحقاق نصيبه فيها ويلزمه تمام العمل. وفي الشركة المعقود عليه المال والعمل: فالمال لا بد من وجوده والعمل إن وجد بعضه استحق مع الفساد ولفسخ مؤجر أجرة عمله.
فأجاب: إذا كان الفلاح مزارعا: مثل أن يعمل بالثلث أو الربع أو النصف فليس عليه أن يعشر إلا نصيبه وأما نصيب المقطع فعشره عليه. ومن قال: إن العشر جميعه على الفلاح والمقطع يستحق نصيبه من الزرع فقد خالف إجماع المسلمين؛ ولكن للعلماء في المزارعة قولان: أحدهما: أنها باطلة وأن الزرع جميعه لصاحب البذر وعليه العشر جميعه ولرب الأرض قيمة الأرض فمن كان من المقطعين يرى العشر كله على الفلاح فتمام قوله أن يعطيه الزرع كله ويطالبه بقيمة الأرض. والقول الثاني - وهو الصحيح الذي مضت به سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه الراشدين وعليه العمل - أن المزارعة صحيحة. فعلى هذا يكون للمقطع نصيبه وعليه زكاة نصيبه وللفلاح نصيبه وعليه زكاته. فإذا كانوا يلزمون الفلاح بالعشر الواجب على الجندي فيؤدي العشر على الجندي من مال الجندي كما يظهر ذلك. فإن هذا حق بين لا نزاع فيه بين العلماء؛ ليس حقا خفيا ولا يمكن الجندي جحده. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لهند: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) فإن وجوب النفقة للزوجة وللولد حق ظاهر لا يمكن أبا سفيان جحده. وهذا مثل قوله: (أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك) وفي رواية (إن لنا جيرانا لا يدعون لنا شاذة ولا فاذة إلا أخذوها فإذا قدرنا لهم على شيء. أفنأخذه؟ فقال: أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك) لأن الحق هنا خفي لا يفوته الظلم. فإذا أخذ شيئا من غير استحقاق ظاهر كان خيانة. والله سبحانه أعلم.
عن رجل أجر رجلا أرضا فيها شجر مثمر بأجرة معلومة مدة معلومة وبياضا لا تساوي الأجرة وإنما الأجرة بعضها يوازي البياض وبعضها في مقابلة الثمرة وكتبا كتاب الإجارة بعقد الإجارة على الأرض مساقاة على الشجر المثمر. فهل يصح ذلك؟ أم لا؟ وإذا صح: فهل يدخل أشجار الجوز المثمر مع كونه مثمرا جميع ما له ثمرة؟ فهل للمؤجر أن يخصص البعض دون البعض مع كونه مثمرا؟ أم لا؟ وهل إذا كان عقد المساقاة بجزء من الثمرة مما تعم به البلوى ورأى بعض الحكام جوازه فهل لغيره من الحكام إبطاله؟ أم لا؟. فأجاب: ضمان البساتين التي فيها أرض وشجر عدة سنين هو الصحيح الذي اختاره ابن عقيل وغيره. وثبت عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أنه ضمن حديقة لأسيد بن الحضير بعد موته ثلاث سنين ووفى بالضمان دينه. وهذه كثيرة لا تحتمل الفتيا تقريرها. فهذه الضمانات التي لبساتين دمشق الشتوية التي فيها أرض وشجر ضمانات صحيحة وإن كان قد كتب في المكتوب إجارة الأرض والمساقاة على الشجر فالمقصود الذي اتفقا عليه هو الضمان المذكور والعبرة في العقود بالشروط التي اتفق عليها المتعاقدان والمقاصد معتبرة. فإذا العقد الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من بيع الثمرة قبل بدو صلاحها هو بيع الثمر المجرد كما تباع الكروم في دمشق بحيث يكون السعي والعمل على البائع والضمانات شبيهة بالمؤاجرات.
فأجاب: يجوز إجارة منبت القصب ليزرع فيها المستأجر قصبا وكذلك إجارة المقصبة ليقوم عليها المستأجر ويسقيها فمنبت العروق التي فيها بمنزلة من يسقي الأرض لينبت له فيها الكلأ بلا بذر.
فأجاب: إن استأجرها على أن يزرع فيها نوعا من الحبوب لم يكن له أن يزرع ما هو أشد ضررا وإذا زرع ما هو أشد ضررا كان للمؤجر مطالبته بالقيمة وإن استأجرها ليزرع فيها ما شاء فله ذلك ولا شيء على المستأجر إذا زرع فيها ما شاء. والله أعلم.
فأجاب: الحمد لله. إذا قطعها نقص من العوض المستحق بقدر ما نقص من المنفعة التي يستحقها المستأجر. وهذا وإن كان في اللفظ إجارة الأرض ومساقاة الشجر فهو في المعنى المقصود عوض عن الجميع؛ فإن المستأجر لم يبذل العوض إلا ليحصل له مع زرع الأرض ثمر الشجر. وقد تنازع العلماء في صحة هذا العقد. وسواء قيل بصحته أو فساده فما ذهب من الشجر ذهب ما يقابله من العوض سواء كان بقطع المالك أو بغير قطعه. والله أعلم.
فأجاب: لا يجب على أولاده تعجيل جميع الأجرة - والحال هذه - لكن إذا لم يثق أهل الأرض بذمتهم فلهم أن يطالبوهم بمن يضمن لهم الأجرة في أقساطها. وهذا على قول من يقول: إن الدين المؤجل لا يحل بموت من هو عليه ظاهر. وأما على قول من يقول: إنه يحل عليه وكذلك هنا على الصحيح من قولي العلماء؛ لأن الوارث الذي ورث المنفعة عليه أجرة تلك المنفعة التي استوفاها؛ بحيث لو كان على الميت ديون لم يكن للوارث أن يختص بمنفعة ويزاحم أهل الديون بالأجرة؛ بناء على أنها من الديون التي على الميت كما لو كان الدين ثمن مبيع نافذ؛ بمنزلة أن تنتقل المنفعة إلى مشتر أو متهب مثل أن يبيع الأرض أو يهبها أو يورث فإن الأرض من حين الانتقال تلزم المشتري والمتهب والولد: في أصح قولي العلماء كما عليه عمل المسلمين؛ فإنهم يطالبون المشتري والوارث بالحكر قسطا لا يطالبون الحكر جميعه من البائع. أو تركة الميت؛ وذلك لأن المنافع لا تستقر الأجرة إلا باستيفائها فلو تلفت المنافع قبل الاستيفاء سقطت الأجرة بالاتفاق. ولهذا كان مذهب أبي حنيفة وغيره أن الأجرة لا تملك بالعقد؛ بل بالاستيفاء ولا تملك المطالبة إلا شيئا فشيئا ولهذا قال: إن الإجارة تنفسخ بالموت. والشافعي وأحمد وإن قالا: تملك بالعقد وتملك المطالبة إذا سلم العين فلا نزاع أنها لا تجب إلا باستيفاء المنفعة ولا نزاع في سقوطها بتلف المنافع قبل الاستيفاء. ولا نزاع أنها إذا كانت مؤجلة لم تطلب إلا عند محل الأجل. فإذا خلف الوارث ضامنا وتعجل الأجل الذي لم يجب إلا مؤخرا مع تأخير استيفاء حقه من المنفعة كان هذا ظلما له مخالفا للعدل الذي هو مبنى المعاوضة وإذا لم يرض الوارث بأن تجب عليه الأجرة وقال المؤجر أنا ما أسلم إليك المنفعة لتستوفي حقه منها فأوجبنا عليه أداء الأجرة حالة من التركة مع تأخر المنفعة: تبين ما في ذلك من الحيف عليه. وأما إذا كان المؤجر وقفا ونحوه. فهنا ليس للناظر تعجيل الأجرة كلها بل لو شرط ذلك لم تجز؛ لأن المنافع المستقبلة إذا لم يملكها وإنما يملك أجرتها ما يحدث في المستقبل فإذا تعجلت من غير حاجة إلى عمارة كان ذلك أخذا لما لم يستحقه الموقوف عليه الآن. وأجاب: لا يلزم تعجيل الأجرة في أصح قولي العلماء؛ لا سيما إذا كان المستأجر حبسا فإن تعجيل الأجرة في الحبس لا يجوز إلا لعمارة ونحوها؛ لأن منافع الحبس يستحقها الموقوف عليه طبقة بعد طبقة. وكل قوم يستحقون أجرة المنافع الحادثة في زمانهم فإن تسلفوا منفعة المستقبل كانوا قد أخذوا عوض ما لم يستحقوه من الوقف وهذا لا يجوز؛ لكن إذا طلب أهل المال من ورثة المستأجر ضمينا بالأجرة فلهم ذلك. ويبقى المال في ذمة الورثة مع ضامن خبير لأهل الوقف من يسكنه مع أنه لو لم يكن وقفا لم يحل بموت المدين. وكذلك على قول من يقول بحلوله في أظهر قوليهم؛ إذ يفرقون بين الإجارة وغيرها كما يفرقون في الأرض المحتكرة إذا بيعت أو ورثت فإن الحكر يكون على المشتري والوارث وليس لهم أخذه من البائع وتركة الميت: في أظهر قوليهم.
فأجاب: ليس للمؤجر فسخ الإجارة بمجرد موت المستأجر عند جماهير العلماء؛ لكن منهم من قال: إن الأجرة على المستأجر تحل بموته وتستوفى من تركته فإن لم يكن له تركة فله فسخ الإجارة. ومنهم من يقول: لا تحل الأجرة إذا وثق الورثة برهن أو ضمين يحفظ الأجرة؛ بل يوفونه كما كان يوفيها الميت وهذا أظهر القولين. والله أعلم.
فأجاب: أما إذا كانوا مكرهين على الإجارة بغير حق لم تصح الإجارة ولم تلزم بلا نزاع بين الأئمة. وأما لو كانوا استأجروها مختارين أو مكرهين بحق وكانت حين الإجارة في إجارة آخرين فهذه تسمى الإجارة المضافة. كما عليه المسلمون في غالب الأعصار والأمصار إذ لا محذور فيها يبطل الإجارة كعقد البيع فلا فرق بين أن تكون المنفعة على العقد أو لا تكون. وكون المستأجر لا يقبض عقيب العقد لا يضر فإن القبض يتبع موجب العقد ومقتضاه فإن اقتضى القبض عقيبه وجب قبضه عقيبه وإن اقتضى تأخر القبض وجب القبض حين أوجبه العقد؛ إذ المقبوض في العقد ليس مما أوجبه الشارع على صفة معينة؛ بل المرجع في ذلك إلى ما أوجبا في العقد. ولهذا لو باع نخلا لم تؤبر كان الثمر للبائع عند مالك والشافعي والإمام أحمد كما دلت عليه السنة وكان للبائع أن يدخل لأجل ثمره. وإن كان ذلك ينافي القبض التام: فلو باع أمة مزوجة كانت منفعة البضع على ملك الزوج لم تدخل فيما يقبضه المشتري لنفسه باتفاق الأئمة الأربعة وكذلك العين المؤجرة عند أكثر العلماء؛ فلهذا صح عند طوائف منهم استيفاء منفعة العين في البيع والهبة والوقف والعتق وغير ذلك. كما اقتضى حديث كما هو مذهب مالك وأحمد. ولهذا لو أقبض العين المؤجرة كانت في المنفعة مع خراج تصرف المستأجر فيها باقية على ضمان المؤجر فلو تلفت بآفة سماوية كانت من ضمانه باتفاق المسلمين. وكذلك يقول مالك وأحمد وغيرهما في بيع الثمار إذا أصابتها جائحة. وبالجملة فلا يحرم من العقود إلا ما حرمه نص أو إجماع أو قياس في معنى ما دل على النص أو الإجماع فكل ذلك منتف في الإجارة المضافة وإذا استأجر الأرض وفيها زرع للغير فإنه يبقى لصاحبه بأجرة المثل كما تبقى لو لم يؤجر الأرض. والله أعلم.
فأجاب: الحمد لله. إذا استأجرها من المالك أو وكيله أو وليه لم يكن لأحد أن يقبل عليه زيادة ولا يخرجه قبل انقضاء مدته وإن لم يكن بينهما كتاب ولا شهود بل من قال: اذهب اكتب عليك إجارة فأشهد عليه المستأجر بالإجارة ومكنه المؤجر من السكنى فهذه إجارة لازمة. والله أعلم.
فأجاب: قد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يحل لمسلم أن يسوم على سوم أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه) فإذا كان المؤجر قد ركن إلى شخص ليؤجره لم يجز لغيره الزيادة عليه. فكيف إذا كان ساكنا في المكان مستمرا فمن فعل ذلك استحق التعزير والله أعلم.
فأجاب: إذا كان الأمر على ما ذكر فمثل هذا عيب في العقار وإذا لم يعلم به المستأجر حال العقد فله أن يفسخ الإجارة ولا أجرة عليه من حين الفسخ. والله أعلم.
فأجاب: إذا أقرضه عشرة على أن يكتري منه حانوته بأجرة أكثر من المثل. لم يجز هذا باتفاق المسلمين؛ بل لو قرر بينهما من غير شرط كان ذلك باطلا منهيا عنه عند أكثر العلماء. كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع ولا ربح ما لم يضمن ولا بيع ما ليس عندك) قال الترمذي: حديث صحيح. فنهى صلى الله عليه وسلم أن يبيعه ويقرضه؛ لأنه يحابيه في البيع لأجل القرض فكيف إذا شارطه مع القرض أن يستأجر ويحابيه وليس عنده وإن كان الغريم معسرا أنظر إلى ميسرة. قال الله تعالى:
فأجاب: الحمد لله. إن كان قد أكرهه بغير حق على الإجارة لم يصح وإن كان قد دلس عليه فله فسخ الإجارة والله أعلم.
فأجاب: إذا كان المستأجر قد دلس على المؤجر وغره حتى استأجر بدون قيمة المثل مما لا يتغابن الناس بمثله فله أن يطالبه بأجرة المثل.
فأجاب: إذا كان قد أجر المدة التي تكون بعد إجارة الأول لم يكن للأول اعتراض عليه في ذلك والله أعلم.
فأجاب: إن كانوا غاصبين ظالمين قد سكنوا المكان بغير إذن المالك فإخراج مثل هؤلاء لا يحتاج إلى زيادة؛ بل يجب عليهم أن يخرجوا قبل حصول الزيادة وللمالك أن يخرجهم قبل الزيادة. ولا يحل للمالك أن يطالبهم بأجرة مسماة؛ بل إنما عليهم أجرة المثل. وإن كان المؤجر ناظر وقف أو يتيم: كان بإقراره لهم مع إمكان إخراجهم ظالما معتديا. وذلك يقدح في عدالته وولايته. وأما إن سكنوا على الوجه الذي جرت به العادة في سكنى المستأجرين مثل أن يجيء إلى المالك فيقول: أجرني المكان الفلاني بكذا. فيقول: اذهب فأشهد عليك ويشهد على نفسه المستأجر دون المؤجر ويسلم إليه المكان. وإذا أراد الساكن أن يخرج لم يمكنه صاحب المكان فهذه إجارة شرعية. ومن قال: إن هذه ليست إجارة شرعية وليس للساكن أن يخرج إلا بإذن المالك والمالك يخرجه متى شاء فقد خالف إجماع المسلمين؛ فإن الإجارة إن كانت شرعية فهي لازمة من الطرفين وإن كانت باطلة فهي باطلة من الطرفين ومن جعلها لازمة من جانب المستأجر جائزة من جانب المؤجر فقد خالف إجماع المسلمين. ومتى كان المؤجر ناظر وقف أو مال يتيم يسلمه إلى الساكن وأمره أن يكتب عليه إجارة وطالبه بمكتوب الإجارة والأجرة المسماة وقال مع هذا: إني لم أؤجره إجارة شرعية: كان ذلك قادحا في عدالته وولايته فإن الفقهاء لهم في الإجارة الشرعية قولان: أحدهما: أنها تنعقد بما يعده الناس إجارة حتى لو دفع طعامه إلى طباخ يطبخ بالأجرة أو ثيابه إلى غسال يغسل بالأجرة أو نساج أو خياط أو نحوهم من الصناع الذين جرت عادتهم أنهم يصنعون بالأجرة يستحقون أجرة المثل. وكذلك لو دخل حماما أو ركب سفينة أو دابة. كما جرت العادة بالركوب على الدواب والمراكب المعدة للكري فإنه يستحق أجرة المثل. فكيف إذا قال: أجرني بكذا؟ فقال: اذهب فاكتب إجارة فكتبها وسلم إليه المكان: فهذه إجارة شرعية عند هؤلاء. وهذا قول أكثر الفقهاء كمالك وأبي حنيفة والإمام أحمد وغيرهم. والقول الثاني: أنه لا بد من الصفة في ذلك. كما قيل مثل ذلك في البيع. كما يقول ذلك من يقوله من أصحاب الشافعي فمن كان يعتقد هذا فعليه ألا يوجب أجرا إلا على هذا الوجه فمن اعتقد أن الأجرة لا تصح إلا على هذا الوجه وأجره على الوجه المعتاد وسلم المكان وطالب بالأجرة المسماة ثم عند الزيادة يدعي عدم الإجارة لم يقبل منه فإن هذا ظلم فإنه إذا التزم مذهبا كان عليه أن يلتزمه له وعليه. وأما أن يكون عند الذي له يعتقد صحة الإجارة وعند الذي عليه يعتقد فسادها فهذا غير مقبول ولا سائغ بإجماع المسلمين. ومن أصر على مثل ذلك فهو ظالم باتفاق المسلمين؛ بل هو فاسق مردود الشهادة والولاية.
فأجاب: [ليس] له أن يستولي على الأرض المستأجرة مع غيرها ولا يدخلها في داره؛ بل هو بذلك غاصب ظالم. والمستأجر بالخيار بين أن يفسخ الإجارة بهذا السبب؛ وتسقط عنه الأجرة. وبين أن يمضي في الإجارة ويطالب الغاصب بأجرة ما انتفع به من الأرض وهو مخير بين أن يبقى بناؤه فيها وبين أن ينزله إن كان مما دخل في عقد إجارته فإن لم يدخل في عقد إجارته لم يتصرف فيها إلا بإذن المالك. والله أعلم.
فأجاب: الحمد لله. إذا تعذر استيفاء المستأجر الأجرة التي يستحقها فله فسخ الإجارة كما إذا تعذر استيفاء المشتري الثمن إذا طلب الفسخ والحال هذه وإجارة المستأجر للوكيل قد كان فعل ما وجب عليه وليس هذا من المقايلة الجائزة التي تفتقر إلى إذن الموكل. والله أعلم.
وسئل عن جماعة بيدهم إقطاع وفي الإقطاع أرض عاطلة وأذنوا لشخص أن يؤجرها؛ فأجرها مدة ثلاثين سنة ولم يشاور الوكيل المقطعين على الثلاثين سنة فهل تجوز هذه الإجارة؟ أم لا؟ فأجاب: لا تصح هذه الإجارة إلا إذا كانت بإذن المقطعين أو ما يقتضي الإذن فيها. فأما مجرد الإذن في الإجارة مطلقا الذي يقتضي في العرف سنة أو سنتين أو نحو ذلك فلا يفهم منه الإذن في هذه المدة الطويلة فلا تصح الإجارة بمجرده.
فأجاب: الحمد لله. نعم يصح الإيجار الأول؛ لكن [إن شاء] المقطع الثاني أمضاه؛ بل من حين أقطعها صارت له فإن شاء أجرها لذلك المستأجر وإن شاء لم يؤجره. فإن كان للمستأجر فيها زرع أبقاه بأجرة المثل إلى حين كماله وإن لم يكن فيها لا عين ولا منفعة فلا شيء له.
فأجاب: الحمد لله. إذا كان المستأجر قد دلس على المؤجر: مثل أن يكون قد أخبره عنه بما ينقص قيمته ولم يكن الأمر كذلك فللمؤجر فسخ الإجارة. وكذلك إن أخبره بأنه ليس هناك من يستأجره وكان له هناك طلاب وأمثال ذلك. والله أعلم.
فأجاب: إذا انتقل الإقطاع إلى آخر انفسخت الإجارة من حين انتقاله؛ فإن المنفعة الحادثة بعد ذلك لم تكن ملكا للأول ولا للثاني. والمقطع إن شاء يؤجر وإن شاء لا يؤجر والمستأجر إن شاء استأجر منه وإن شاء لا يستأجر منه. ليس لواحد منهما إلزام الآخر لا بإجارة ولا له إلزامه بتحضير.
فأجاب: المظالم لا تلزم هذا ولا هذا. لكن إذا وضعت على الزرع أخذت من رب الزرع وإن وضعت على العقار أخذت من العقار إذا لم يشترط على المستأجر فإذا كان ما اشترط لم يدخل فيما اشترط على المستأجر وقد وضع على العقار دون الزرع أخذت من رب الأرض وإن وضع على الزرع أخذ من المستأجر؛ وإن وضع مطلقا رجع في ذلك إلى العادة في مثله.
فأجاب: إيجار المقطع للأرض يصح وله أن يؤجرها لمن يزدرعها قصبا وغير قصب. وكذلك للمستأجر منه أن يؤجرها لغيره بحكم ما استأجرها. وإذا مات ذلك المقطع أو أقطع إقطاعه فالمقطع الثاني لا يلزمه إجارة الأول وليس له أن يقلع ما للمستأجر فيها من الزرع والقصب مجانا؛ بل هو مخير إن شاء أن يبقى زرعه وقصبه بأجرة مستأنفة بمثل الأجرة الأولى أو أقل أو أكثر كما يتراضيان به؛ لكن ليس له أن يلزم المستأجر بأكثر من أجرة المثل. وإذا استأجرها صاحب القصب والزرع صحت الإجارة؛ فإنه يتمكن من الانتفاع بها؛ ولو استأجرها غيره جاز على الصحيح وقام غيره فيها مقام المؤجر إن شاء أن يبقى زرعه وقصبه بأجرة المثل وإن شاء أن يؤجره إياها برضاه. والله أعلم.
فأجاب: إذا كانت هذه البلاد مما تروى غالبا صحت إجارتها عند عامة الفقهاء قبل أن يروى؛ وإنما النزاع في مذهب الشافعي. فظاهر مذهبه جواز إجارة ذلك. كمذهب سائر الأئمة. وما يوجد في بعض كتبه من إطلاق العقد قد فسره أئمة مذهبه رضي الله عنهم. وما زالت أرض مصر تؤجر قبل شمول الري في أعصار السلف والأئمة وليس فيهم من أنكر بسبب تأخره. وإذا طلب الزيادة فليس له إلا الأجرة المسماة وإن كان غره فذاك شيء آخر ليبينه السائل حتى يجاب عنه.
فأجاب: أما إذا كان المستأجر فسخ الإجارة بعد استيلائه على الأرض فإن كانا قد تقايلا الإجارة أو فسخها بحق: فعليه من الأجرة بقدر ما استولى على الأرض وله قيمة حرثه بالمعروف.
فأجاب: ليس له تسليم الوقف ولا مال اليتيم ولا غيرهما مما يتصرف [فيه] بحكم الولاية إلا بإجارة شرعية لا يجوز تسليمه إليه بإجارة فاسدة؛ بل وكذلك الوكيل مع موكله ليس له أن يسلم ما وكل في إجارته إلا بإجارة شرعية وليس للناظر أن يجعل الإجارة لازمة من جهة المستأجر جائزة من جهة المؤجر فإن هذا خلاف إجماع المسلمين بل إن كان ممن يعتقد صحة الإجارة والبيع ونحوهما بما جرت به العادة - كما هو قول الجمهور - جاز له أن يسلمه بما هو إجارة في العرف وإن كان لا يرى صحة البيع والإجارة ونحوهما إلا باللفظ كان عليه ألا يسلمها إلا إذا أجرها كذلك كان عليه ألا يسلم ما باعه من مال اليتيم وغيره إلا إذا باعه بيعا شرعيا. فمن اعتقد جواز بيع المعاطاة سلمه بهذا البيع. وهذا هو القول الذي عليه جمهور الأئمة وعليه عمل المسلمين من عهد نبيهم وإلى اليوم. ومن كان يعتقد أنه لا يصح بيع وأنه لا بد من الصيغة من الجانبين: لم يكن له مع وجود هذا الاعتقاد أن يسلم مال اليتيم إلا بعقد صحيح كالإجارة والبيع ونحوهما من العقود التي يجوزها الجمهور بدون اللفظ وبعض العلماء لا يجوزها إلا باللفظ: يجب فيها على كل من اعتقد أن يعمل بموجب اعتقاده له وعليه؛ ليس لأحد أن يعتقد أحد القولين فيها له والقول الآخر فيها عليه كمن يعتقد أنه إذا كان جارا استحق شفعة الجوار وإذا كان مشتريا لم يجب عليه شفعة الجار. أو إذا كان من الإخوة للأم - في المسألة المشركة الحمارية - يسقط ولد الأبوين وإذا كان هو من الإخوة للأبوين استحق مشاركة ولد الأم وإذا كان هو المدعي قضي له برد اليمين وإذا كان هو الطالب حكم له بشاهد ويمين وأمثال ذلك كثير. فليس لأحد أن يعتقد في مسألة نزاع مثل هذا باتفاق المسلمين. فإن مضمون هذا أن يحلل لنفسه ما يحرمه على مثله ويحرم على مثله ما يحلله لنفسه ويوجب على غيره - الذي هو مثله - ما لا يوجبه على نفسه ويوجب لنفسه على غيره ما لا يوجبه لمثله. ومعلوم بالاضطرار من دين الإسلام؛ بل ومن كل دين؛ أن هذا لا يجوز ومن اعتقد جواز هذا فهو كافر؛ بل من اعتقد صحة بيع المعاطاة ونحوه من الإجارات التي يعدها أهل العرف بيعا وإجارة: اعتقد أن هذا العقد صحيح منه ومن غيره. ومن اعتقده باطلا: اعتقده منه ومن غيره. فالمؤجر الناظر إن اعتقد أحد القولين التزمه له وعليه. فإن اعتقد بطلان هذا العقد لم يجز له أن يسلم المؤجر ولا يطالب بالأجرة المسماة ولا [يمنع] المستأجرين من الخروج. وكان بمنزلة من سلم العين إلى الغاصب فما تلف تحت يد المستولي كان عليه ضمانه كما لو سلم ماله بعقد فاسد يعتقد هو فساده وإن اعتقد صحة هذا العقد كان له تسليم العين والمطالبة بالأجرة المسماة ولم يكن له أن يقبل زيادة على المستأجر ولا يخرجه قبل انقضاء الأجرة من غير سبب شرعي يوجب الفسخ. ومتى أصر الناظر على أن يجعله فاسدا بالنسبة إلى المستأجر صحيحا بالنسبة إليه غير لازم بالنسبة إلى المستأجر؛ فإنه ظالم جائر وذلك قادح في ولايته وعدالته. وعليه أن يؤجر ما يؤجره إجارة صحيحة وليس له باتفاق المسلمين أن يؤجر إجارة يعلم أنها غير صحيحة. والله أعلم. فأجاب: الحمد لله. إذا كان قد أجره إجارة صحيحة كانت إجارته تلك المدة أو بعضها قبل انقضاء مدة هذه الإجارة إجارة باطلة سواء كانت باختيار المؤجر أو كان قد أكره عليها وكان هذا المستأجر ظالما بوضع يده عليها واستغلالها وكان للمستأجر الأول الخيار بين أن يفسخ الإجارة وتسقط عنه الأجرة من حين الفسخ وبين أن يضمنها فيؤدي الأجرة ويطالب هذا الظالم بعوض المنفعة.
فأجاب: إذا أكره على الإيجار بغير حق أو أكره بغير حق على تنفيذها: لم يصح؛ فإن المكره بغير حق لا يلزم بيعه ولا إجارته ولا إنفاذه باتفاق المسلمين. وأما إجارة الوقف هذه المدة ففيها نزاع بين العلماء كما في مذهب أبي حنيفة والشافعي.
فأجاب: الحمد لله. متى أجره الوصي بدون أجرة المثل كان ضامنا لما فوته على اليتيم ولم تكن الإجارة لازمة لليتيم بعد رشده؛ بل هي باطلة منفسخة في أحد قولي العلماء. وفي الآخر له أن يفسخها. ثم إن كان المستأجر لم يعلم تحريم ما فعله الوصي كان له أن يضمنه ما لم يلتزم ضمانه وإن علم استقر الضمان عليه؛ بل لو أجره بأجرة المثل. مثل هذه المدة التي يعلم الوصي أنه يبلغ في أثنائها؛ فأكثر العلماء يجوزون لليتيم الفسخ. والله أعلم.
فأجاب: إذا لم يكن المستأجر يعلم بأن هذه الحمام إذا أدير يحصل من إدارته الضرر الذي ينقص قيمة المنفعة في العادة فله فسخ الإجارة. والقول قوله في عدم العلم مع يمينه. والله أعلم.
فأجاب: إذا كانت الضريبة ومؤجرها يؤجرها بها سواء كان الفلاح يقترض أو لم يكن. ولم يرد الضريبة لأجل القوة فهذا جائز؛ فإن القرض لم يجر به منفعة وإن كان بعض العلماء كره ذلك وجعله من القرض الذي يجر منفعة؛ إذ بالقوة يستأجرها الفلاح لكن هذه منفعة للاثنين وإذا لم يزد الأجرة لأجل القوة فقد أحسن. ولا فرق بين أن يسمى إجارة أو مسجلا فالجميع سواء.
فأجاب: لا ريب أنه إذا ترك العمل المشروط عليه لم يستحق الأجرة وإن عمل بعضه أعطي من الأجرة بقدر ما عمل وإذا تلف شيء من المال بسبب تفريطه كان عليه ضمان ما تلف بتفريطه. والتفريط هو ترك ما يجب عليه من غير عذر.
فأجاب: إن كانوا فقراء فتركه لهم أفضل وإن كانوا أغنياء وهنالك محتاج فأخذه لأجل المحتاج أفضل.
فأجاب: ما زرعوه زائدا عما يستحقونه بالإجارة فزرعهم بأجرة المثل فمتى استعملوا الزائد كان عليهم أجرة المثل باتفاق المسلمين. وإن لم يستعملوه: فهل لرب الأرض قلعه بما أنفقوه؟ على قولين مشهورين للعلماء. وإن اختار إبقاءه والمطالبة بأجرة المثل: فله ذلك بالاتفاق.
|